استكمالاً لمقالة الأمس/الأحد, فإن موقف دولة العدو الصهيوني من الدعوى التي رفعتها دولة جنوب افريقيا ضدها, لدى محكمة «العدل» الدولية, باتّهامها مقارفة جريمة «الإبادة الجماعية» ضد أهالي قطاع غزة, كان «مُختلِفاً» على نحو جليّ, مقارنة بالدعاوى التي رُفعت أو قد تُرفع ضدها لدى المحكمة «الجنائية» الدولية, حيث أن اختصاص الأخيرة هو ضد «الأشخاص», فيما تختص «العدل» الدولية بالقضايا بين «الدُول» المُوقِّعة على معاهدتها التي رأت النور عام 1948.
من هنا يمكن التوقّف عند التحذيرات والمخاوف التي انطلقت في أوساطٍ قضائية وقانونية ودبلوماسية وخصوصاً عسكرية في الدولة النازية الصهيونية, مُحذرة من مغبة تجاهل المخاطر والتداعيات, التي قد تترتّب على عدم التعامل بـ«جدِيّة», مع دعوى كهذه. داعية إلى «قبول» المثول أمام هذه المحكمة ومُواجهة «إدّعاءات» دولة جنوب افريقيا, وخصوصاً البحث عن فريق من المحامين الدوليين المرموقين, أصحاب السمعة المهنية والخبرة العميقة في القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي, وبالأساس قوانين الحرب وما يتصل بها.
هنا وقع اختيار قادة الدولة الفاشية لفرط إعتمادهم على ثُلة من المحامين المتعصبين, اليهود أولاً, وثانياً من المتصهينين, على المحامي الأميركي/آلان ديرشوفيتز، للدفاع عنها في محكمة العدل الدولية، الذي يُواجه فضيحة من العيار الثقيل، بعدما ورد اسمه ضمن وثائق الملياردير المُنتحر/جيفري إبستين.
وتركت الوثائق التي تم الكشف عنها صدمة واسعة حول العالم، بعد أن أبرزت أسماء كبيرة تورطت بعلاقتها مع إبستين، الذي أُدين بجرائم جنسية بحق قاصرات، والاتجار بالبشر، مثل الأمير البريطاني/أندرو والرئيس الأميركي الأسبق/كلينتون، وغيرهما من الشخصيات الشهيرة. فيما نقلَ موقع «مُونيتور»، ان ديرشوفيتز، يُطلَق عليه لقب «كلب الهجوم» الإسرائيلي، كدليل على شراسته بالدفاع عن تل أبيب.
ما دفع حكومة نتنياهو للبحث عن محام آخر, كان هذه المرة, البروفيسور البريطاني المُختص في القانون الدولي/مالكوم شو, البالغ 76 عاماً, والذي اكتسبَ سُمعة دوليّة بعد تقديمه المشورة, في نزاعات إقليميّة مختلفة لدى العديد من الجهات، كما مَثُلَ سابقًا أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة العليا في المملكة المتحدة, ومجلس اللوردات ومحكمة العدل الأوروبيّة.
ماذا قال القانونيون الصهاينة عن «العدل الدولية»؟.
قالت الخبيرة في القانون الدولي في جامعة/رايخمان الإسرائيلية، د. دافنا ريتشموند - باراك: إن الدعوى ضد إسرائيل التي قدمتها جنوب افريقيا إلى محكمة العدل الدولية، «تهدِف إلى وقف الحرب على غزة بسرعة». وأشارتْ/ريتشموند, التي عَمِلت في محكمة العدل الدولية سابقاً, إلى أنه عندما (تُقدم دولة دعوى ضد دولة أخرى، فإن المحكمة تقُرر فيها «وقراراتها مُلزمة لطرفي النزاع. وقد تُوافق المحكمة على طلب المدعي.» مُضيفة أن جنوب افريقيا تسعى إلى التسبّب بوقف الحرب بصورة فورية. أي ـ تابَعتْ ـ أن يتوقّف المجهود الحربي الإسرائيلي في غزة).
لم تتوقف القانونية الصهيونية هنا, بل لفتت, إلى وجود (شرعية ومكانة كبيرة لمحكمة العدل الدولية، ولذلك «يُحظر الاستخفاف بما يحدث هناك. والدول تأخذ ذلك على محمل الجد، وتُوجد لها أهمية كبيرة جداً وهي ذات وزن في الحلبة الدولية»).
وقالت إن قرار إسرائيل «التعاون» مع المحكمة هو أمر «نادر جداً وصحيح جداً». وهذا «يُؤكد–أضافتْ–على أهمية هذا الإجراء بالنسبة لإسرائيل»، خاصة أنها مُتهمة بإبادة شعب. مُشيرة إلى أن إسرائيل «رفضتْ التعاون مع تحقيقات محكمة العدل الدولية, حول استمرار الاحتلال، ومع تحقيقاتها حول جدار الفصل العنصري». لكنها - في الآن ذاته - قالت: إن «الذكاء» في دعوى جنوب افريقيا، ليس فقط أنها تستند إلى إبادة شعب، ما يمنحها أهمية كبيرة، لكن مُجرد أن طلبَ جنوب افريقيا يتّجِه إلى «مسار سريع». وتحديد جلسة المحكمة يوم الخميس المقبل, هو «أمر نادر أيضاً وينبع من طلب جنوب افريقيا. «وهذا أمر إجرائي، عندما يكون هناك أمر خطير وينبغي وضع نهاية له بصورة فورية.
خاتمة «رؤيتها» بتحذير لافت مُوجّه إلى حكومة نتنياهو من تداعيات إطلاق تصريحات «بشكل من شأنه أن يُلحق ضرراً آخر». لأنه ـ أضافتْ - تُوجد في دعوى جنوب افريقيا، صفحات كاملة تتضمن تصريحات وزراء في الدولة وممثلي الحكومة, التي حسب إدعاءات جنوب افريقيا، «تَدُل على ما يَحدث هنا هو إبادة شعب». وينبغي الحذر كثيراً، وتقديم إحاطات للجميع، وأن «يُدرك جميعهم دلالات هذه التصريحات في الحلبة الدولية».
** إستدراك:
اتّهمتْ شخصيات إسرائيلية بارزة، في رسالة وُجّهت إلى النائب العام والمدعين العامين، القضاء في إسرائيل بـِ«التغاضي» عن تصريحات, تُحرّض على الإبادة والتطهير العِرقي في قطاع غزة.
وطالبت الشخصيات باتخاذ إجراءات لوقف «تطبيع خطاب الإبادة»، الذي ينتهك القانونيْن الإسرائيلي والدولي، بحسب صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، الأربعاء الماضي.
وأكدت الرسالة أن «الدعوات الصريحة لارتكاب جرائم فظيعة ضد ملايين المدنيين، تحوّلت إلى جزء من الخطاب الإسرائيلي».
وحملت الرسالة تواقيع عدد من الأكاديميين والسياسيين السابقين, والصحافيين والناشطين في المجتمع الإسرائيلي، أبرزهم عضو الجمعية الملكية البريطانية، البروفيسور/ديفيد هاريل، وهو أحد كبار العلماء الإسرائيليين.